ورق أصفر
ورق أصفر
ألف ليلة وليلة٢٨ : قفة الشحاذ الضرير
كتاب صوتي. كتاب مسموع. ألف ليلة وليلة.
تواصل شهرزاد حكايات ألف ليلة وليلة، ويواصل معها مزين بغداد حكاياته عن إخوته. وهذه هي حكاية الأخ الثالث واسمه قفة.
يمكن لمستمعي اليوتيوب التمتع بتجربة استماع أكثر ثلاثة والهاتف مغلق. كما يمكنكم تحميل المحتوى مجانا من صفحتنا الرابط:
https://waraqasfar.buzzsprout.com
بالضغط على كلمة trascript في المشغل سيظهر لكم نص القصة مزودا بهوامش توضيحية.
كما يمكنكم زيارتنا على كافة منصات البودكاست مثل أبل بودكاستس وغوغل وسبوتيفاي
الرابط على سبوتيفاي:
https://open.spotify.com/episode/4cpHw7dlO04hzPGz5m4gIE
قصة الأخ الثالث
(قفة البقيق أو الشحاذ الضرير)
وأما أخي الثالث، فاسمه قفه ساقَه القضاءُ والقدرُ إلى دارٍ كبيرةٍ، فدقَ البابَ طمعا أن يكلِمَه صاحِبُها فيسألُه شيئا فقال صاحب الدار:
"من بالباب؟"
فلم يكلمْه أحد. فسمِعَه أخي يقول بصوتٍ عالٍ:
"من هذا؟"
فلم يكلمْه أخي، وسمِعَ مَشْيَه حتى وصلَ إلى البابِ وفتحَه، فقال:
"ما تريد؟"
قال أخي:
"شيئا لله تعالى."
فقالَ له:
"هل أنت ضرير؟"
قال أخي:
"نعم."
فقال له:
"ناولني يدَك."
فناولْه يدَه، فأدخلَه الدار. ولم يزل يصعَدُ به من سُلَّمٍ إلى سُلَّمٍ حتى وصلَ إلى أعلى السطوح. وأخي يضمنُ أنه يطعمُه شيئا، فلما انتهى إلى أعلى مكانٍ قال لأخي:
"ما تريدُ يا ضرير؟"
قال:
"أريدُ شيئا للهِ تعالى."
فقالَ له:
"يفتحُ اللهُ عليك."
فقالَ له أخي:
"يا هذا. أما كنتَ تقولُ لي ذاك وأنا في الأسفل؟"
فقال له:
"يا أسفلِ السفلة، لم تسألني شيئا لله حين سمعتَ كلامي أولَ مرةٍ وأنتَ تدقُ الباب."
فقالَ أخي:
"وفي هذه الساعة ما تريدُ أن تصنع بي؟"
فقالَ له:
"ما عِندي شيءٌ حتى أعطيك إياه."
قالَ له:
"اِنزلْ بي إلى السلالم."
فقالَ له:
"الطريقُ بين يديك."
فقامَ أخي واستقبلَ السلالمَ وما زال نازلا حتى بقِيَ بينه وبين الباب عِشرون درجة، فزَلِقَت رجلُه فوقَع، ولم يزل واقعا منحدرا في السلالمِ حتى انشجت[1] رأسُه، فخرجَ وهو لا يدري أين يذهب، فلحِقَه بعضُ رفقائه العميان، فقالوا له:
"أيُ شيءٍ حصَل لك في هذا اليوم؟"
فحدَثهم بما وقعَ له ثم قال لهم:
" يا إخواني أريدُ أن آخذَ شيئا من الدراهمِ التي بقِيت معنا، وأنفِقَ منه على نفسي"
وكان صاحبُ الدارِ مشَى خلفَه ليعرِفَ حالَه، فسمِعَ كلامَه، وأخي لا يدري بأن الرجلَ يسعى خلفَه، إلى أن دخلَ أخي مكانَه ودخلَ الرجلُ خلفَه وهو لا يشعرُ به، وقعدَ أخي ينتظر رفقاءه، فلما دخلوا عليه قالَ لهم:
"اغلِقوا الباب. وفتشوا[2] البيتَ كي لا يكونُ أحدٌ غريبٌ تبِعنا."
فلما سمِعَ الرجلُ كلامَ أخي قامَ وتعلقَ بحبلٍ كان في السقف، فطافوا البيتَ جميعَه فلم يجدوا أحدا. ثم رجَعوا وجلسوا إلى جانبِ أخي وأخرجوا الدراهمَ التي معهم وعدُوها فإذا هي عشَرةُ آلافِ دِرهم، فتركوها في زاويةِ البيت وأخذَ كلُ واحدٍ مما زادَ عنها ما يحتاجُ إليه، ودفنوا العشَرةَ آلافِ درهمٍ في التراب، ثم قدموا بين أيديهم شيئا من الأكلِ وقعدوا يأكلون فاحسَ أخي بصوتٍ غريبٍ في جِهَتِه، فقالَ لأصحابِه:
"هل معنا غريب؟"
ثم مدَ يدَه فتعلقت بيدِ الرجل ِصاحبِ الدار، فصاح على رفقائه وقال:
"هذا غريب."
فوقعوا فيه ضربا فلما طالَ عليهم ذلك صاحوا:
"يا مسلمون، دخل علينا لصٌ يريد أن يأخذَ مالنا."
فاجتمعَ عليهم خلقٌ كثير، فتعامى الرجلُ الغريبُ صاحبُ الدارِ الذي ادعَوا عليه أنه لص، وأغمضَ عينَه، وأظهرَ أنه أعمى مثلَهم بحيثُ لا يشكُ فيه أحد، وصاح:
"يا مسلمون، أنا باللهِ والسلطان، أنا باللهِ والوالي، أنا باللهِ والأمير، فإن عندي نصيحةً للأمير."
فلم يشعروا إلا وقد احتاطَ بهم جماعة الوالي، فأخذوهم وأخي معهم وأحضروهم بين يديه، فقالَ الوالي:
"ما خبرُكم؟"
فقالَ ذلك الرجل:
"اسمعْ كلامي أيها الوالي، لا يظهرُ لك حقيقةُ حالنِا إلا بالعقوبة، وإن شئتَ فابدأْ بعقوبتي قبلَ رفقائي."
فقالَ الوالي:
"اِطرحوا هذا الرجلَ واِضرِبوه بالسياط."
فطرحوه وضربوه، فلما وجعَه الضربُ فتحَ إحدى عينيه، فلما ازدادَ عليه الضربُ فتحَ عينَه الأخرى."
فقالَ له الوالي:
"ما هذه الفعالُ يا فاجر؟"
فقال:
"أَعطِني الأمانَ وأنا أخبرْك."
فأعطاه الأمان.َ فقال:
"نحن أربعةٌ نعمَلُ أرواحَنا عُمياناٍ ونمرُ على الناسِ وندخلُ البيوتَ وننظرُ النساءَ ونحتالُ في فسادِهن واكتسابِ الأموالِ من طرفهن، وقد حصَّلنا من ذلك مكسبا عظيما، وهو عشْرةُ آلافِ دِرهم، فقلتُ لرفقائي أَعْطُوني حقي ألفين وخَمسَمائةٍ، فقاموا وضربوني وأخذوا مالي وأنا مستجيرٌ باللهِ وبك، وأنتَ أحقُ بحِصتي من رفقائي، إن شئتَ أن تعرِفَ صِدقَ قولي، فاضرِبْ كلَ واحدٍ أكثرَ مما ضربتني فإنه يفتحُ عينيه."
فعندَ ذلك أمرَ الوالي بعقوبتِهم، وأولُ ما بدأَ بأخي، ولا زالوا يضرِبونه حتى كاد أن يموت، ثم قال لهم الوالي:
"يا فسقةٌ، أتجحدون نعمةَ اللهِ وتدَّعون أنكم عُميانٌ؟!"
فقال أخي:
"اللهِ اللهِ اللهِ ما فينا بصير."
فطرحوه إلى الضربِ ثانيا ولم يزالوا يضرِبونه حتى غُشي عليه. فقالَ الوالي:
"دعوه حتى يفيقَ وأعيدُوا عليه الضربَ ثالثَ مرةٍ ."
ثم أمرَ بضربِ أصحابِه كلِ واحدٍ أكثر من ثلاثمائة عصا. والبصير يقول لهم:
"افتحوا عيونَكم وإلا جددَ عليكم الضرب."
ثم قال للوالي:
"اِبعثْ معي من يأتيك بالمال، فإن هؤلاءَ ما يفتحونَ أعينَهم ويخافونَ من فضيحتِهم بين الناس." فبعثَ الوالي من أتاه بالمال، فأخذَه وأعطى الرجلَ منه ألفين وخمسَمائةِ درهمٍ على قدرٍ حِصتِه، رغما عنهم، ونفى أخي وباقيَ الثلاثةِ خارج المدينة، فخرجتُ أنا يا أميرَ المؤمنين ولحِقتُ أخي وسألتُه عن حاله، فأخبرَني بما ذكرتُه لك، فأدخلتُه المدينةَ سرا ورتبتُ له ما يأكلُ وما يشرب طولَ عمرِه. فضحِكَ الخليفةُ من حكايتي وقال:
"صِلُوه بجائزةٍ ودعُّوه ينصرف."
فقلت له:
"واللهِ، ما آخذُ شيئا حتى أبينَ لأميرِ المؤمنينَ ما جرى لبقيةِ إخوتي وأوضحَ له أني قليلُ الكلام." فقالَ الخليفة:
"اصدَعْ[3] آذاننَا بخرافةِ خبرِك، وزدنا من عُجَرِك وبُجَرِك[4]"
[1] انشجت: لم أجد الكلمة في المعاجم القديمة المتاحة لي، لكني وجدتها في عدد من المعاجم الحديثة وليس من بينها الوسيط. ولكن الوزن "انفعل" يستخدم بديلا عن المبني للمجهول مثل انطفأ أو انطلق.
[2] كتبت في الأصل "فتشو".
[3] اصدَع آذاننا: أي شق آذاننا: وهي صيغة ساخرة هنا.
و فِي القرآن: {فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ}؛ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: اجْهَرْ بِالْقُرْآنِ، وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ أَي بِالْقُرْآنِ، وَقَالَ أَبو إِسحاق: أَظْهِرْ مَا تُؤْمَرُ بِهِ وَلَا تَخفْ أَحدًا، ووفقا للسان العرب أُخِذَ مِنَ الصَّدِيع وَهُوَ الصُّبْحُ، لكن أنا أراها ربما آخذت من "شق الآذان"
[4] والعُجر والبجر: الأمور المعضلات، قال علي بن أبي طالب:
إلَيْكَ أشكو عُجَري وبُجَري *** شفَيْتُ غَيْظِي وَقتلْتُ معْشَري
وفي المثل: «أخبرته بعجري وبجري»: أي بما كنت أخفي من الأمور.