ورق أصفر
ورق أصفر
ألف ليلة وليلة ٢٧: قصة بقيق العريان
تواصل شهرزاد حكايات ألف ليلة وليلة. ويواصل معها المزين حكايات أشقائه. وهذه حكاية أخيه الثاني بقبق الذي ذهب برجليه إلى قدره التعس.
للإطلاع على النص بمعاني الكلمات يمكنكم الضغط على كلمة
Transcript
في صفحة البودكاست في الرابط:
https://waraqasfar.buzzsprout.com/1619083/15242557-
كما يمكن لمستمعي اليوتيوب الاستمتاع بتجربة استماع أكثر سلاسة والموبايل مغلق على صفحتنا. وتحميل المحتوى مجانا.
المحتوى أيضا متاح للاستماع والتحميل المجاني على جميع منصات البودكاست
وهذا رابط الحلقة على منصة سبوتفاي:
https://open.spotify.com/episode/4LyZAa0RSucCHmMuxnEQ86
فقلت:
"اعلمْ يا أميرَ المؤمنين أن أخي الثاني كان اسمُه بقبق وقد وقع له أنه كان ماشيا يوما من الأيام متوجها إلى حاجةٍ له، وإذا هو بعجوزٍ قد استقبلته وقالت له:
"أيها الرجل. قفْ قليلا حتى أعرِضَ عليك أمرا، فإن أعجبَك فاقضْه لي."
فوقفَ أخي. فقالت له:
"أدلُك على شيءٍ وأُرشِدُك إليه بشرطْ أن لا يكونَ كلامُك كثيرا."
فقالَ لها أخي:
"هاتي كلامَك."
فقالت له:
"ما قولُك في دارٍ حسَنةٍ وماؤها يجري، وفاكهةٍ ومدامٍ ووجهٍ مليح تشاهدُه وخدٍ أسيلٍ تقبله وقدٍ رشيقٍ تعانقه؟ ولم تزل كذلك من العِشاءِ إلى الصباح. فإن فعلتَ ما اشترِطُ عليك رأيتَ الخير."
فلما سمِعَ أخي كلامَها، قال لها:
"يا سيدتي، وكيف قصدتِني بهذا الأمرِ من دونِ الخَلق أجمعين؟ فأيُ شيءٍ أعجبَكِ مني؟"
فقالت لأخي:
"ما قلتُ لك لا تكن كثيرَ الكلام؟ واسكت وامضِ معي؟"
ثم ولت وصارَ أخي تابعا لها طمعا فيما وصفته له، حتى دخلا دارا فسيحةً وصعِدت به من أدني إلى أعلى، فرأى قصرا ظريفا. ونظر أخي فرأى فيه أربعَ بناتٍ ما رأى الرؤون أحسنَ منهم، وهن يغنين بأصواتٍ تطربُ الحجرَ الأصم، ثم إن بنتا منهن شرِبت قدحا، فقال لها أخي:
"بالصحة والعافية."
وقام ليخدِمَها فمنعته من الخِدمة ثم سقته قدحا فشرِب، وصفعته على رقبتِه. فلما رأى أخي منها ذلك خرجَ مُغْضَبا ومكثرا للكلام، فتبِعته العجوز وجعلت تغمِزُه بعينِها، يعني اِرْجِعْ، فرجَعْ وجلسْ ولم ينطقْ، فأعادت الصفعَ على قفاه إلى أن أُغِميَ عليه، ثم قامَ أخي لقضاءِ حاجتِه فلحِقته العجوزُ وقالت له:
"اِصبِرْ قليلا حتى تبلُغَ ما تريد."
فقالَ لها أخي:
"إلى كم أصبِرُ قليلا؟"
فقالت له العجوز:
"إذا سكِرتَ بلغتَ مُرادَك."
فرجَعَ أخي إلى مكانِه وجلس. فقامت البناتُ كلُهن وأمرتهن العجوزَ أن يجردْنََه من ثيابِه، وأن يَرشُشْن على وجهِه ماءَ ورد، ففعلن ذلك. وقالت الصبيةُ البارعةُ الجمالِ منهن:
"أعزك اللهُ قد دخلتَ منزلي، فإن صبَرتَ على شرطي بلغتَ مُرادك."
فقال لها أخي:
"أنا عبدُك، وفي قبضةِ يدِك."
فقالت له:
"اِعلمْ أن الله أشغفني بحبِ الطرب، فمن أطاعني نالَ ما يريد."
ثم أمرت الجواري أن يغنين فغَنَّيْنَ حتى طرِبَ المجلس، ثم قالت للجارية:
"خذي سيدَك واِقضِي حاجتَه وائتيني به في الحال."
فأخذت الجارية أخي وهو لا يدري ما تصنعُ به، فلحِقته العجوزُ وقالت له:
"اِصبِر ما بقِيَ إلا القليلُ."
فأقبلَ أخي على الصبيةِ، والعجوز تقول:
"اِصبِرْ فقد بلغتَ ما تريد. وإنما بقِيَ شيءٌ واحدٌ وهو أن تحلِقَ ذقنَك."
فقالَ لها أخي:
"وكيف أعمِلُ في فضيحتي بين الناس؟"
فقالت له العجوز:
"إنها ما أرادت أن تفعلَ بك ذلك إلا لأجلِ أن تصيرَ أمردَ بلا ذقنٍ، ولا يبقَى في وجهِك شيءٌ يشكُها، فإنها صارَ في قلبِها محبةٌ عظيمة. فاصبِر. فقد بلغتَ المُنَى."
فصبَرَ أخي وطاوعَ الجاريةَ وحلَقَ ذقنَه وجاءت به إلى الصبية وإذا هو محلوقُ الحاجبين والشاربين والذقنِ مُحْمَرُ الوجه، ففزِعت منه، ثم ضحِكت حتى استلقت على قفاها، وقالت:
"يا سيدي. لقد ملكتَني بهذه الأخلاقِ الحسَنة."
ثم حلَّفته بحياتِها أن يقومَ ويرقص، فقامَ ورقصَ، فلم تدعْ في البيت مِخَّدَةً حتى ضربَته بها، وكذلك جميعُ الجواري صرن يضربْنَه بمثلِ نارنجةٍ[1] وليمونةٍ وأُتْرُجَّةٍ، إلى أن سقطَ مغشيا عليه من الضرب، ولم يزل الصفعُ على قفاه، والرجمُ على وجهِه، إلى أن قالت له العجوز:
"الآن بلغتَ مُرادَك، واِعلِمْ أنه ما بقِيَ عليك من الضربِ شيء، وما بقِي إلا شيءٌ واحد، وذلك أن من عادتِها أنها إذا سكِرت لا تمكنُ أحدا من نفسِها، حتى تقلَعَ ثيابَها وسراويلها وتبقى عريانة من جميعِ ثيابِها، وأنت الآخرُ تقلَعُ ثيابَك وتجري وراءها وهي تجري قدامَك كأنها هاربةٌ منك، ولم تزل تابعَها من مكانٍ إلى مكان حتى يقومُ أيرُك، فتمكنُك من نفسِها."
ثم قالت له:
"قمْ اِقلَعْ ثيابَك."
فقام وهو غائبٌ عن الوجودِ وقلَعَ ثيابَه جميعا، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
فلما كانت الليلةُ الحاديةُ والثلاثون
قالت بلغني أيها الملكُ السعيد أن أخا المُزَّيِن لما قالت له العجوزُ قمْ اقلعْ ثيابَك، قامَ وهو غائبٌ عن الوجودِ وقلَعَ ثيابَه وصار عُريانا، فقالت الجاريةُ لأخي:
"قم الآن واجرِ ورائي وأجري أنا قدامَك، وإذا أردت شيئا فاتبعني."
فجرت قدامَه وتَبِعها ثم جعلت تدخلُ من مَحلٍ إلى محل، وتخرجُ من محلٍ إلى محلٍ آخر وأخي وراءها، وقد غلَبَ عليه الشبق، وأيرهُ قائمٌ كأنه مجنون، ولم تزل تجري قدامَه وهو يجري وراءها حتى سمِعَ منها صوتاً رقيقاً وهي تجري قدامَه وهو يجري وراءها، فبينما هو كذلك إذ رأى نفسَه في وسطِ زقاق، وذلك الزقاق في سوقِ الجلادين، وهم ينادون على الجلود، فرآه الناسُ على تلك الحالة، وهو عُريانُ قائمُ الأير ِمحلوقُ الذقنِ والحواجبِ والشواربِ مُحْمَرُ الوجهِ، فصاحوا عليه وصاروا يضحكون ويقهقهون، وصار بعضهم يصفَعُه بالجلودِ وهو عريان، حتى غُشِِيَ عليه، وحملوه على حِمارٍ حتى وَصَّلُوه إلى الوالي، فقال:
"ما هذا؟"
قالوا:
"هذا واقعٌ لنا من بيتِ الوزير، وهو على هذه الحالة."
فضرَبه الوالي مِائةَ سوطٍ وخرجتُ أنا خلفَه وجئتُ به وأدخلتُه المدينةَ سرا، ثم رتبتُ له ما يقتاتُ به، فلولا مُروءتي ما كنتُ أحتملُ مثله.
[1] نوع من الفاكهة يسمى بالإنجليزية bitter orange أو البرتقال المر. وهو يشبه البرتقال.