ورق أصفر

ألف ليلة وليلة ٥: حكاية الحمال مع البنات ج٢

August 18, 2022 Noha Elebiari Season 2 Episode 5
ورق أصفر
ألف ليلة وليلة ٥: حكاية الحمال مع البنات ج٢
Show Notes Transcript

كعادة شهرزاد تشوق الملك قاتل النساء وتشوقنا معه بجزء من حكاياتها في ليلة، لننتظر على مقالي النار الليلة التالية للاستماع إلى بقية القصة، وفي الليلة العاشرة تستكمل شهرزاد الحكاية التي بدأتها في الليلة السابقة، حكاية الحمال مع البنات، وهي واحدة من أطول حكايات ألف ليلة وليلة، وأكثرها تعقيدا، في هذه الليلة ينضم إلى حفل الحمال والبنات عدد من الشخصيات من بينهم هارون الرشيد نفسه، الخليفة العباسي الأشهر. وسيجد ضيوف الحفل أنفسهم أمام مشاهد عجيبة وأحوال غريبة... فماذا سيحدث؟ استمعوا لليلة لتعرفوا المزيد...
لقراءة النص كاملا مع هوامش لمعاني الكلمات وبعض المعلومات الثقافية والتاريخية المتعلقة بالنص، زوروني على صفحة ورق أصفر في https://waraqasfar.buzzsprout.com
كما يسعدني التعرف على آرائكم ومقترحاتكم على بريدي الالكتروني الشخصي 
nohaelebiari@gmail.com 
أو صفحتي على انستغرام أو الفيس بوك. ابحثوا عن الهاش تاغ #ورق ـ أصفر أو ألف ليلة وليلة.

قالت لها أختُها دنيازاد "يا أختي، أتممي لنا حديثَك" قالت "حبا وكرامة، قد بلغني أيها الملكُ السعيد أنهن لم يزلْن يقلْن زُبَك أيرَك وهو يقبِّلُ ويَعَضُ ويعانق، وهن يتضاحكن إلى أن قلْن له "وما اسمُه؟" قال "اسمُه البغلُ الجسور، الذي يرعى حبقَ الجسور، ويعلق بالسِّمسمِ المقشور، ويبيتُ في خان[1] أبي منصور" فضحكن حتى استلقين على ظهورِهن، ثم عادوا إلى مُنادمتِهم، ولم يزالوا كذلك إلى أن أقبلَ الليلُ عليهم فقلْن للحمال "توجَه وأرِنا عرضَ أكتافِك" فقالَ الحمال "واللهِ خروجُ الروحِ أهونُ من الخروجِ من عندِكن، دعونا نصلَ الليلَ بالنهار، وكلٌ منا يروحُ[2] إلى سبيلِه" فقالت الدلالةُ "بحياتي عندكن تدعْنَه ينامُ عندنا، نضحكُ عليه، فإنه خليعٌ ظريف" فقلن له "تبيتَ عندنا بشرطِ أن تدخلَ تحتَ الحكم، ومهما رأيتَه لا تسألْ عنه، ولا عن سببِه" فقالَ "نعم." فقلن "قمْ وأقرأْ ما على البابِ مكتوبا" فقامَ إلى الباب فوجدَ مكتوبا عليه بماءِ الذهب لا تتكلمْ فيما لا يَعنيك تسمعْ ما لا يُرضِيك، فقالَ الحمال "اشهدوا أني لا أتكلمُ فيما لا يَعنيني" ثم قامت الدلالةُ وجهزت لهم مأكولا، فأكلوا، ثم أوقدوا الشمعَ والعودَ وقعدوا في أكلٍ وشربٍ وإذا هم سمِعوا دقَ الباب، فلم يختلْ نظامُهم، فقامت واحدةٌ منهم إلى الباب، ثم عادت وقالت "قد كمُلَ صفانا[3] في هذه الليلة، لأني وجدتُ بالبابِ ثلاثةَ أعجامٍ ذقونُهم محلوقةٌ وهم عورٌ بالعينِ الشمال، وهذا من أعجبِ الاتفاق وهم ناسٌ غرباء قد حضَروا من أرضِ الروم، ولكل واحدٍ منهم شكلٌ وصورةٌ مضحكة، فإن دخلوا نضحكُ عليهم" ولم تزلْ تتلطفُ بصاحبتيها حتى قالتا لها "دعيهم يدخلون واشرطي عليهم ألا[4] يتكلموا فيما لا يعَنيهم، فيسمعوا ما لا يُرضيهم" 

ففرِحت وراحت ثم عادت ومعها الثلاثةُ العور، ذقونُهم محلوقة وشواربُهم مبرومةٌ ممشوقة وهم صعاليك[5]، فسلموا وتأخروا فقام لهم البنات وقعدوهم، فنظرَ الثلاثةُ رجال إلى الحمال فوجدوه سكران، فلما عاينوه ظنوا أنه منهم، "وقالوا “هو صعلوكٌ مثلنا يؤانسُنا" فلما سمِعَ الحمالُ هذا الكلام قامَ وقلبَ عينيه وقالَ لهم، "اقعدوا بلا فضول، أما قرأتم ما على الباب" فضحِك البنات وقلْن لبعضهن "إننا نضحكُ على الصعاليكِ والحمال، ثم وضعن الأكلَ للصعاليك، فأكلوا ثم جلسوا يتنادمون[6] والبوابة ُتَسقيهم، ولما دارَ الكأسُ بينهم، قالَ الحمالُ للصعاليك "يا إخوانَنا هل معكم حكايةٌ أو نادرةٌ تُسلُوننا بها؟" فدبت فيهم الحرارةُ وطلبوا آلاتِ اللهو، فأحضرت لهم البوابةُ دُفا موصليا وعودا عراقيا وجُنْكا عجميا، فقامَ الصعاليكُ واقفين وأخذَ واحدٌ منهم الدفَ وأخذَ واحدٌ العودَ وأخذَ واحدٌ الجنكَ وضربوا بها، وغنت البناتُ وصارَ لهم صوتٌ عالٍ، فبينما هم كذلك وإذا بطارقٍ يطرقُ البابَ، فقامت البوابةُ لتنظرَ من بالباب.

وكان السببُ في دقِ البابَ أن في تلك الليلة نزلَ الخليفةُ هارون الرشيد لينظرَ ويسمعَ ما يتجددُ من الأخبارِ هو وجعفر وزيرُه ومسرور سيافُ نقمتِه، وكان من عادتِه أن يتنكرَ في صفةِ التجار، فلما نزَلَ تلك الليلةَ ومشَى في المدينةِ جاءت طريقُهم على تلك الدار، فسمِعوا آلاتِ الملاهي، فقالَ الخليفةُ لجعفر "إني أريدُ أن ندخلَ هذه الدارَ ونشاهدَ صاحبَ هذه الأصوات" فقالَ جعفر "هؤلاء قومٌ قد دخلَ السكرُ فيهم ونخشى أن يصيبَنا منهم شرٌ " فقالَ "لابد من دخولِنا، وأريدُ أن تتحيلَ حتى ندخلَ عليهم" فقالَ جعفر "سمعا

وطاعة" ثم تقدمَ جعفر وطرقَ الباب، فخرجت البوابةُ وفتحت الباب، فقالَ لها "يا سيدتي" نحنُ تجارٌ من طَبَريا[7]ولنا في بغداد عشرةُ أيام، ومعنا تجارة، ونحن نازلون في خانِ التجار، وعزمَ[8] علينا تاجرٌ في هذه الليلة، فدخلنا عندَه وقدمَ لنا طعاما فأكلنا كلُنا، ثم تنادمنا عندَه ساعة، ثم أذِنَ لنا بالانصرافِ فخرجنا بالليل ونحنُ غرباء، فتهنا عن الخان الذي نحن فيه فنرجو من مكارِمِكم أن تدخلونا هذه الليلةَ نبيتُ عندَكم، ولكم الثوابُ" فنظرت البوابةُ إليهم فوجدتهم بهيئةِ التجار وعليهم الوقار، فدخلت لصاحبتيها وشاورتهما، فقالتا لها "أدخليهم"، فرَجَعَت وفتحت لهم الباب، فقالوا لها "أندخل بإذنِك؟" قالت "اُدخلوا" فدخلَ الخليفةُ وجعفر ومسرور، فلما رأتهم البناتُ قمْن لهم وخدمْنهم، وقلن "مرحبا، وأهلا وسهلا بأضيافِنا، ولنا عليكم شرطٌ ألا[9] تتكلموا فيما لا يَعنيكم فتسمعوا ما لا يُرضيكم" قالوا "نعم" وبعد ذلك جلسوا للشرابِ والمنادمة ، فنظرَ الخليفةُ إلى الثلاثةِ الصعاليك فوجدَهم عورا بالعينِ الشِّمال، فتعجبَ منهم ونظرَ إلى البناتِ وما هم فيه من الحسنِ والجمال فتحيرَ وتعجب، واستمروا في المنادمةِ والحديثِ وأتين للخليفةِ بشرابٍ فقالَ "أنا حاج" وانعزلَ عنهم، فقامت البوابةُ وقَدمت له سُفرةً مزركشةً ووضعت عليها باطيةً من الصيني، وسَكَبت فيها ماءَ الخِلاف، وأرخَت فيه قطعةً من الثلجِ ومزجته بسكر، فشكرَها الخليفةُ وقالَ في نفسِه، "لابد أن أجازيها في غدٍ على فعلِها من صنيعِ الخير"، ثم اشتغلوا بمنادمتِهم فلما تحكم الشرابُ قامت صاحبةُ البيت وخدمتهم، ثم أخذت بيدِ الدلالة وقالت "يا أختي قومي لنقضي ديَننا" فقالت لها "نعم" فعند ذلك قامت البوابةُ وأطلعت[10] الصعاليك خلفَ الأبواب قدامَهن وذلك بعد أن أخلت وسطَ القاعةِ ونادَين الحمال، وقلن له "ما أقل مودتِك؟ ما أنت غريب، بل أنت من أهلِ الدار" فقامَ الحمال وشدَ وسطَه وقال "ما تردن؟" فقلن "قفْ مكانَك" ثم قامت الدلالةُ وقالت للحمال "ساعدني" فرأى كلبتين من الكلابِ السود في رقبتِما جَنازير[11] فأخذَهما الحمالُ ودخلَ بهما إلى وسَطِ القاعة، فقامت صاحبةُ المنزلِ وشمَّرت عن معصمِها وأخذت سوطا، وقالت للحمال "قدم كلبةً منهما" فجرها في الجَنزيرِ وقدمها والكلبةُ تبكي وتحركُ رأسَها إلى الصبية، فنزلت الصبية عليها بالضربِ على رأسِها والكلبةُ تصرخ، ومازالت تَضرِبُها حتى كلت سواعدُها، فرمت السوطَ من يدِها ثم ضمت الكلبةَ إلى صدرِها ومسحت دموعَها، وقبَّلت رأسَها ثم قالت للحمال "ردها وهات الثانية" فجاءَ بها، وفعلت بها مثلَ ما فعلت بالأولى.

فعندَ ذلك اشتعلَ قلبُ الخليفةِ وضاقَ صدرُه، وغمز َجعفر أن يسألَها، فقالَ له بالإشارةِ اسكت، ثم التفتت صاحبةُ البيتِ للبوابةِ وقالت لها "قومي لقضاءِ ما عليك"، قالت "نعم." ثم إن صاحبةَ البيتِ صعدت على سريٍر من المرمر مصفحٍ بالذهبِ والفضة، وقالت للبوابة والدلالة "ائتيا بما عندكما" فأما البوابةُ فإنها صعدت على سريرٍ بجانبِها، وأما الدلالةُ فإنها دخلت مَخدعا وأخرجت منه كيساً من الأطلس بأهدابٍ خضر، ووقفت قدامَ الصبيةِ صاحبةِ المنزل، ونفضَت الكيسَ وأخرجت منه عودا وأصلحت أوتارَه وأنشدت هذه الأبيات[12]:

رُدوا على جِفني النومَ الذي سَلَبا

وخَبِروني بعقلي أيةً[13] ذَهَبَا

عَلِمتُ لما رَضِيتُ الحبَ منزلةً 

أن المنامَ على جَفنَيَّ قد غَضِبا

قالوا عَهِدناك من أهلِ الرشاد 

فما أغواك؟

قلتُ اطلبوا من لحظِه السَببا

إني له عن دَمي المسفوكِ معتَذِرٌ 

أقولُ حمَّلتُه على سفكِه تَعبا

ألقى بمرآةِ فِكري شمسَ صورتِه

فعكسُها شبَ في أحشائيَ اللهبا

مَن صاغَه اللهُ من ماءِ الحياة

وقد أجرى[14] بقيتُه في ثغرِه شَنَبا[15]

ماذا ترى في محبٍ ما ذُكِرتَ له 

إلا شكا أو بكَى أو حنَّ أو طَرِبا

يرى خيالَك في الماءِ الزُلالِ[16] إذا 

رامَ[17] الشرابَ فيُروى وهو ما شَرِبا

 

(وأنشدت أيضا)

سَكِرتُ من لحَظِه لا من مُدامَتِهِ

ومَالَ بالنومِ من عيني تمايُلُه

فما السُلافُ[18] سلتني بل سَوالِفُه[19]

وما الشَّمُولُ[20] شلتني بل شَمائِلُه

لوى بِعَزمي أصداغٌ لُوينَ له

وغالَ[21] عقلي بما تحَوي غَلائلُه[22]

 

فلما سمِعت الصبيةُ ذلك قالت "طيبَك الله!" ثم شقت ثيابَها ووقعت على الأرضِ مَغشيا عليها، فلما انكشفَ جسدُها رأى الخليفةُ عليه أثرَ ضربِ المقارع[23] والسياط، فتعجبَ من ذلك غايةَ العجب، فقامت البوابةُ ورشت الماءَ على وجهِها، وأتت إليها بحُلَّةٍ وألبستها إياها، فقالَ الخليفةُ لجعفر "أما تنظر إلى هذه المرأة وما عليها من أثرِ الضرب؟! فأنا لا أقدرُ أن أسكتَ على هذا، ولا أستريحُ إلا أن وقفتُ على حقيقةِ خبرِ هذه الصبية، وحقيقةِ خبرِ هاتين الكلبتين، فقالَ جعفر "يا مولانا، قد شرَطوا علينا شرطا وهو ألا نتكلمَ فيما لا يعنينا فنسمعَ ما لا يرضينا، ثم قامت الدلالةُ فأخذت العودَ وأسندته إلى نهدِها وغمزته بأناملِها وأنشدت 

تقول:

إن شكونا الهوى فماذا تقولُ 

أو تلِفنا شوقا فماذا السبيلُ 

أو بعثنا رسولَنا يترجمُ عنا

ما يؤدي شكوى المحبِ رسولُ

أو صبَرَنا فمالنا من بقاءٍ

بعدَ فقدِ الأحباب إلا قليلُ

ليس إلا تأسفا ثم حزنا

ودموعا على الخدودِ تسيلُ

أيها الغائبون عن لمحِ عيني

وهم في الفؤادِ مني حلولُ

هل حفِظتم لدى الهوى عهدَ صبٍ

ليس عنه مدى الزمان يحولُ

أم نسيتم على التباعدِ صبا

شفه فيكم الضنى[24] والنحول

وإذا الحشرُ ضمنا أتمنى 

من لدنِ[25] ربِنا حسابا يطول

فلما سمِعت المرأةُ الثانيةُ شعرَ الدلالةُ شقت ثيابَها كما فعلت الأولى وصرخت ثم ألقت نفسَها على الأرضِ مغشيا عليها، فقامت الدلالةُ وألبستها حلةً ثانيةً بعدَ أن رشت الماءَ على وجهِها.[26]

 

 

فقالَ الصعاليك "ليتنا ما دخلنا هذه الدار وكنا بتنا على الكيمان، فقد تكدر مبيتُنا هنا بشيء يقَطعُ الصلب" فالتفت الخليفةُ إليهم وقال لهم "لم ذلك؟" قالوا "قد اشتغلَ سرُنا بهذا الأمر" فقال الخليفة "أما أنتم من هذا البيت؟" قالوا "لا. ولا ظننا هذا الموضع إلا للرجل الذي عندَكم." فقال الحمال "واللهِ ما رأيتُ هذا الموضع إلا هذه الليلة، وليتني بت على الكيمان، ولم أبِت فيه." فقالَ الجميعُ "نحنُ سبعةُ رجال وعن ثلاثِ نسوة، وليس لهن رابعة، فنسألهن عن حالِهن فإن لم يجبننا طَوعا أجبننا كُرها" واتفقَ الجميعُ على ذلك. فقال جعفر "ما هذا رأيٌ سديد، دعوهن. فنحن ضيوفٌ عندَهن، وقد شرطن علينا شرطا، فنوفي به، ولم يبق الليلُ إلا القليل، وكلٌ منا يمضي إلى حالِ سبيله" ثم إنه غمزَ الخليفةَ وقال "ما بقي غيرُ ساعة، وفي غد نُحضرهن بين يديك فتسألهن عن قصتِهن" فأبي الخليفةُ وقال "لم يبق لي صبرٌ عن خبرِهن، وقد كَثُر بينهن القيلُ والقال" ثم قالوا "ومن يسألهن" فقالَ بعضُهم "الحمال" ثم قالَ لهم النساء "يا جماعة، في أي شيء تتكلمون" فقامَ الحمالُ لصاحِبةِ البيتِ وقال لها "يا سيدتي، سألتُك باللهِ وأقسم عليك به، أن تخبرينا عن حالِ الكلبتين وبأي سببٍ تعاقبينهما، ثم تعودين تبكين وتقبلينهما، وأن تخبرينا عن سببِ ضربِ أختِك بالمقارع، وهذا سؤالُنا والسلام." فقالت صاحبةُ المكان للجماعة "أصحيحٌ ما يقوله عنكم؟" فقالَ الجميعُ "نعم" إلا جعفر فإنه سكَت، فلما سمِعت الصبيةُ كلامَهم قالت "واللهِ لقد آذيتمونا يا ضيوفَنا الأذيةَ البالغة، وتقدم لنا أننا شَرَطنا عليكم من تكلم فيما لا يعنيه سمع ما لا يُرضيه، أما كفى أننا أدخلناكم منزلَنا وأطعمناكم زادنا؟ ولكن لا ذنبَ لكم وإنما الذنبُ لمن أوصلَكم إلينا، ثم شمَّرت عن معصمِها وضربت الأرضَ ثلاثَ ضربات، وقالت "عجلوا" وإذا بباب خزانة قد فُتِحَ وخرجَ منه سبعةُ عبيدٍ وبأيديهم سيوف ٌ مسلولة، فقالت "كتفوا هؤلاء الذي كثر كلامُهم واربطوا بعضَهم ببعض" ففعلوا وقالوا "أيتها المُخَدَّرة[27]، ائذني لنا في ضربِ رقابِهم" فقالت "أمهلوهم ساعةً حتى أسألَهم عن حالِهم، قبلَ ضربِ رقابِهم" فقالَ الحمال "بالله يا سيدتي، لا تقتليني بذنب الغير، فإن الجميع أخطؤوا[28] ودخلوا في الذنب إلا أنا، واللهِ لقد كانت ليلتُنا طيبة، لو سلِمنا من هؤلاء الصعاليك الذين لو دخلوا مدينةً عامرةَ لأخربوها ثم أنشد يقول:

ما أحسنَ الغفرانَ من قادرِ

لاسيما عن غيرِ ذي ناصرِ

بحرمة الود الذي بيننا 

لا تقتلي الأولَ بالآخرِ

فلما فرِغَ الحمالُ من كلامِه، ضحكت الصبية، وأدرك شهرزادَ الصباح فسكتت عن الكلامِ المباح ...

 


[1] الخان فارسي: الفندق؛ حكاه سيبويه. والفُنْدقُ بلغة أَهل الشام خان من هذه الخانات التي ينزلها الناس مما يكون في الطُّرقُ والمَدَائن
[2] راحَ فلانٌ يَرُوحُ رَواحاً: من ذهابه أَو سيره بالعشيّ. قال الأَزهري: وسمعت العرب تستعمل الرَّواحَ في السير كلَّ وقت.
[3] الصَّفْوُ والصَّفَاءُ، مَمْدودٌ: نَقِيضُ الكَدَرِ. صَفْوَةُ كُلِّ شيءٍ: خالِصُهُ من صَفْوَة المالِ وصَفْوَةِ الإخَاء.
وقد قصر الممدود هنا بمعنى حذفت الهمزة في نهاية الكلمة، لتحولها من اسم ممدود إلى اسم مقصور، وهو جائز في الشعر، لكن السياق هنا ليس شعريا.
[4]  في الأصل أن لا، ولكني آثرت دمجها لأنها أن عاملة في الفاعل.
[5] "الصُّعْلُوك: الفقير الذي لا مال له (لسان العرب)
[6] نادَمَ الرجل مُنادَمةً ونِداماً: جالَسه على الشراب.
[7]  طَبَربا في الأصل (طبرية) مدينة تاريخية تقع شمال القدس. وهي إحدى المدن المقدسة الأربعة في اليهودية، ووفقا لل"تاريخ" اليهودي، فهي موضع كتابة تلمود القدس، وحصلت على مكانتها لمدينة مقدسة بعد أن تدفق إليها الحاخامات وجعلوا منها مركزا لتعلم اليهودية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ووفقا للمعتقد اليهودي فإن المسيح سيصعد من بحيرة طَبَريا.
[8]  عَزَمَ في المصرية، تعني دعا (على الطعام)، ولم أجدها بهذا المعنى في أي من المعاجم العربية المتاحة لي. وأقرب معنى لذلك في الفصحة؛ عَزَم عليه ليَفْعَلنَّ: أَقسَمَ. وعَزَمْتُ عليكَ أي أَمَرْتُك أمراً جِدّاً،
[9] في الأصل (أن لا).
[10]  أطْلَعَ الشيء أي أخرجه (المعجم الوسيط).
[11]  جنازير، جمع جَنزير، وهي سلسلة معدنية. والكلمة من أصل فارسي (الوسيط).
[12]  بتصرف من شعر ابن سهل الأندلسي (605 هـ / 1208 - 649 هـ / 1251)، وهو شاعر ولد في إشبيلية.
[13]  أية: اعتقد أنها بمعنى (أين) وتغير الحرف لضرورة شعرية.
[14] في أبيات ابن سهل (جَرَت).
[15]  الشَّنَبُ: ماءٌ ورِقَّةٌ يَجْرِي على الثَّغْرِ.
[16]  وماءٌ زُلالٌ وزَلِيلٌ: سريع النزول والمَرّ في الحلق. وماءٌ زُلالٌ: بارد، وقيل: ماءٌ زُلالٌ وزُلازِلٌ عَذْبٌ، وقيل صافٍ خالص، وقيل: الزُّلال الصافي من كل شيء.
[17] رامَ الشيء: طلبه ورغب فيه.

[18] السُلاف: الخمر.
[19]  سوالف جمع سالِف، السالِفُ: أَعلى  العنق، وقيل: هي ناحيته من معلَّق القرط.
[20]  والشَّمُول الخَمْر لأَنَّها تَشْمَل بِريحها الناسَ، وقيل: سُمِّيت بذلك لأَنَّ لها عَصْفَةً كعَصْفَة ريح الشَّمال.
[21] غال عقلي: ذهب
[22]  غلائل جمع غِلالة، وهي الثوب الذي يلبس تحت الثياب.
[23]  مقارع جمع مِقرعة، والمِقْرعةُ خشبة تُضْرَبُ بها البغالُ والحمير.
[24] الضَنَّى: المرض.
[25] لدن: عند.
[26]  الدلالة قامت بالغناء مرتين، لصاحبة البيت والبوابة، وقد قمت هنا بإزالة عدد من الفقرات اللاحقة التي بدت ملتبسة لغناء الدلالة مرة ثالثة لامرأة ثالثة ولا توجد امرأة ثالثة غير الدلالة في سياق القصة، وهذا نص ما حذفته، وهو موجود في حالة بغير حذف في جميع النسخ الأخرى المتاحة لي:
(ثم قامت المرأةُ الثالثةُ وجلست على سريرٍ وقالت للدلالة غني لي لأوفي ديني، فما بقى غيرُ هذا الصوت، فأصلحت الدلالةُ العودَ وأنشدت هذه الأبيات:
فإلى متى هذا الصدودُ وذا الجفا
فلقد جرى من أدمعي ما قد كفى
كم قد أطلت الهجر لي متعمدا
إن كان قصدك حاسدي فقد اشتفى
لو أنصفَ الدهرُ الخؤون لعاشق
ما كان يوما للعواذل منصفا
فلمن أبوحُ بصبوتي يا قاتلي
يا خيبةَ الشاكي إذا فقدَ الوفا
ويزيد وجدي في هواك تلهفا
فمتى وعدتَ ولا رأيتُك مخلفا
يا مسلمون خذوا بثأرِ مُتيمٍ
ألِفَ السهادَ لديه طرفٌ ما غفا
أيحِلُ في شرعِ الغرام تذللي
ويكون غيري بالوِصال مُشَرفا
ولقد كُلِفتُ بحبِكم متلذذا
وغدا عذولي في الهوى متكلفا
فلما سمِعت المرأةُ الثالثةُ قصيدتَها صرخت وشقت ثيابَها، وألقت نفسَها على الأرضِ مغشيا عليها، فلما انكشفَ جسُدها ظهر فيه أثرُ ضربِ المقارع مثلَ من قبلِها، )

[27]  المُخدَرَّة: الفتاة المكرمة المصونة التي لم تتزوج بعد.
[28]  في الأصل (أخطؤا).